
للأسف، نجح الاحتلال بذكائه الخبيث في تحويل عدوانه الغاشم إلى صراع داخلي بيننا، بينما الجزار يواصل ذبحه بلا هوادة، أصبح البعض ينظر إلى تحرير فلسطين كـ “تهمة”، والدفاع عن الحق كـ “جريمة” تستوجب العقاب! متى إذن أصبح النضال من أجل الكرامة خطيئة؟
“التوقيت غير مناسب، لسنا قادرين على المواجهة” هذا ما قد تسمعه من البعض في هذه اللحظات الصعبة، ولكن متى سيحين الوقت؟ هل ننتظر اللحظة المثالية التي لن تأتي أبدًا؟ الحقيقة التي يرفض البعض الاعتراف بها أن الانتظار لن يُغير المعادلة، لأن الاحتلال لا ينتظر بل يعمل ليلاً ونهارًا لفرض أمر واقع جديد، بينما نحن نجلس في انتظار الفرصة المناسبة التي قد لا تأتينا.
مؤخرًا، انتشرت أصوات تطالب برحيل المقاومة، وهذه الأصوات قد تعبر عن ألم الحرب وضيق المعيشة أو قد تكون وليدة الخوف والإرهاق، لكن لا يمكن إنكار أن بعضها مأجورٌ، ينفذ أجندات خارجية تهدف إلى تطويع الفلسطيني ليقبل الذل، ويقنعه بأن العبودية أكثر راحة من الصمود، أليس من العار أن تتعالى هذه الأصوات في ذروة العدوان؟ بدلاً من توحيد الصفوف لمواجهة العدو، نجد من يطالب بتفكيك الدرع الوحيد الذي يحمي هذا الشعب!
ماذا لو غابت المقاومة؟
دعونا نفترض، جدلاً، أنهم نجحوا في إبعاد المقاومة عن المشهد، هل سيتحول الاحتلال فجأة إلى ملاك رحيم؟ هل سيهدي الفلسطينيين الورد والشوكولاتة؟ أم أن معتقلات النقب ستزدحم بالأبرياء الذين صدّقوا كذبة السلام! من الذي يضمن أن الاحتلال سيتوقف عن تهجيره واستيطانه وقتله؟ ربما تقول “العرب”، ولكن بعد عام ونصف من الإبادة الممنهجة، هل لازلت تؤمن بالعروبة؟ أو تثق بوجود حاكم عادل يُنصف المظلوم؟ وهل لا زلت مقتنعًا بأن العرب لهم وزن بين الدول العظمى!
سؤال بسيط!
من الذي منع الاحتلال من تنفيذ مخططاته حتى الآن؟ الجواب: إنها المقاومة الفلسطينية، ببساطتها وصواريخها، بإرادة رجالها الذين لا يملكون إلا إيمانهم بحقهم في الحياة والحرية.
أما الحراك الحالي الذي يحاول إسكات هذا الصوت، فلن يحقق إلا التعجيل بالتهجير، وعندما يأتي هذا اليوم لن يجد المطالبون برحيل المقاومة مكانًا يفرون إليه، لأن القادم أسوأ، والمستقبل الذي يُراد لنا أن نقبله ليس إلا نسخة أكثر سوادًا من حاضرنا.
السيناريو الأكثر مرارة!
لا أخفيك سرًا، أنا أتوق لرؤية اليوم الذي تُسلّم فيه المقاومة سلاحها والأسرى، ليس شوقًا للهزيمة، بل رغبة في أن يرى الجميع الحقيقة بأعينهم، دون شعارات أو مجادلات عقيمة، حينها سنشاهد معًا الاحتلال وهو يمارس سياسته من القمع والإهانة وانتهاك الكرامة بلا حساب، لكن هذه المرة سيكون القرار شعبيًا، والعواقب قد تكون “مستحقة” لمن خرجوا في الشوارع يطالبون برحيل المقاومة.
ثم ماذا عن رد فعل لجان السُلطة، وأبواق الإعلام العربي التي لا ترى إلا بعين واحدة، وصهاينة العرب الذين لا يفوتون فرصة لتبرير جرائم الاحتلال وتزييف الحقائق، ماذا سيقولون عندما تصبح غزة نسخة أخرى من الضفة المحتلة، أو ربما أسوأ؟
لا أتمنى أن يحدث ذلك أبدًا، لأنني مدرك تمامًا لما سيترتب عليه وأن الشعب سيُترك وحيدًا مجردًا من أي قوة ليواجه أبشع أنواع القمع والإذلال دون سند، تمامًا كما حدث حين استبدلت السلطة الفلسطينية، المقاومة بالسلام، فأُهينوا وطُردوا من بيوتهم.
الاحتلال لا يعرف سوى لغة القوة
التجارب السابقة تبرهن أن الاحتلال لا يعرف سوى لغة القوة وكل اتفاقية “سلام” لم تكن سوى هدنة مؤقتة استغلها الاحتلال لتوسيع مشروعه الاستيطاني وفرض وقائع جديدة على الأرض، كيف يمكن للبعض أن يطلبوا تسليم السلاح في الوقت الذي لم تُقدّم فيه التنازلات السابقة سوى مزيد من القتل والدمار؟
ختامًا
علينا أن ندرك أن الحرية لا تُمنح لمن يتسوّلها، وأن الكرامة لا تُصان بالاستسلام، بل تُنتزع بالقوة، وتُحمى بالإرادة ومن لا يتعلم من التاريخ سيجد نفسه في النهاية عبدًا ينتظر إذنًا بالتنفس في أرض كانت يومًا ملكه، وتحولت بمرور الزمن إلى مستوطنة تُحكم بالسلاح.
أتمنى لو كنت قادرًا على رؤية المستقبل والعودة منه، لأحمل معي الحقيقة وأخبر الناس بما سيحدث قبل أن يقع الفأس في الرأس، لكن بعض الحقائق لا تُدرك إلا بعد فوات الأوان! لذلك، الخيار الوحيد الذي بقي لنا هو أن نصمد.. أو أن نُمحى.