العقل وعوالمنا: رؤى متعددة للواقع وأثرها على تجربتنا الحياتية

إن عقلك يجذب الأشخاص الذين يتشابهون مع اهتمامات روحك، فإذا أحببت شيئًا ما، فأنت تتخذ الخطوة الأولى لدخول عالمه. هذا يؤدي إلى أنك لن ترى سوى هذا العالم كمحيط لك.
دعني أوضح هذا ببعض الأمثلة:
العاشق لا يرى إلا العُشاق فيكون حديثه دوماً عن الحب والحياة الوردية. ولكنه عندما يقع في فخ الفشل يبدأ بالتساؤل:
- أين العُشاق الذين كنت أراهم؟ حتى وإن كانوا أمامه.
- أين اختفت الحياة الوردية؟
ويبقى متسائلاً حتى يصل إلى نتيجة مفادها “لا يوجد حُب حقيقي في هذا الزمان”، ولكن في الحقيقة لم يتغير شيء على الإطلاق سوى أنه بدأ يرى عالمًا لم يكن يراه من قبل.
على سبيل المثال، القبطان لن يتحدث عن معدات الطيران، ليس لأنه أقل فهماً، ولكن لأن كل ما يراه هو البحر والسفن، حتى وإن كان العالم بأسره أمامه.
إذا سقطت بناية في الحي المجاور، فسيسأل المهندس: هل من الممكن أن تكون جودة مواد البناء سيئة؟ بينما يسأل الطبيب: هل هناك مصابون؟ أما الصحفي فسيسأل: هل سأكون أول من يغطي الخبر؟
كل منَّا لديه طريق في هذا العالم، وأثناء سيرك في طريقك، ستكتشف الشريحة التي تشبه روحك. وإذا اقتربت أكثر، قد تظن أن العالم بأسره أصبح من هذه الشريحة. لكنك ستكون مخطئًا. إذا كنت تريد رؤية جميع الطرق، فلا تقف في وسط شريحة معينة وتظن أنك رأيت العالم بأكمله. ابتعد قليلاً لتتضح الرؤية. عندها ستفهم أنه لا ضرر من تجربة واكتشاف أكثر من عالم وطريق.
العقل هو بوابة الإدراك والوعي، ويشكل العالم من حولنا حسب ما نراه ونختبره. هذه الحقيقة تعني أن العالم ليس ثابتًا، بل هو مرآة لعقولنا واهتماماتنا. العاشق، الذي يرى الحياة من خلال عدسة الحب، سيجد أن كل شيء حوله مرتبط بهذا الشعور. لكن عندما يتغير مسار حياته ويصطدم بعقبات، سيجد نفسه يتساءل عن أين ذهبت تلك الحياة الوردية التي كان يراها.
بالمثل، القبطان الذي يجوب البحار لن يكون مهتمًا بما يحدث في السماء، ليس بسبب نقص في الفهم، بل لأن البحر هو مجاله وعالمه. هذا يظهر كيف أن اهتماماتنا تخلق عالمنا الخاص وتحدد ما نراه ونعيشه.
الأمثلة تستمر في كل مجالات الحياة. المهندس يرى البناية الساقطة ويتساءل عن جودة البناء، بينما الطبيب يفكر في الإصابات، والصحفي يركز على السبق الصحفي. كل واحد منهم يرى العالم من زاوية مختلفة تعكس اهتماماته ومجاله. هذه الزوايا المتعددة تعني أن لدينا تجارب ورؤى مختلفة للعالم نفسه.
هذا الفهم يعزز فكرة أن العقل هو الذي يشكل العالم، وأن كل منا يعيش في “فقاعته” الخاصة التي تعكس اهتماماتنا وتجاربنا. لكن للوصول إلى فهم أعمق وأشمل للعالم، يجب أن نكون قادرين على الخروج من هذه الفقاعات والنظر إلى العالم من زوايا مختلفة.
في هذا السياق، يمكننا أن نرى كيف أن الانفتاح على تجارب جديدة ومجالات مختلفة يمكن أن يوسع آفاقنا ويغير فهمنا للعالم. بدلاً من أن نكون محصورين في عالمنا الصغير، يمكننا أن نكتشف عوالم جديدة ونوسع دائرة إدراكنا. هذه الرحلة لا تتطلب منا سوى الشجاعة للابتعاد قليلاً عن الطريق الذي اعتدنا عليه.
العقل هو أداة قوية، وما نركز عليه يحدد ما نراه ونختبره. إذا كنت تريد فهم العالم بكل تعقيداته وجماله، عليك أن تكون مستعدًا لاكتشاف وتجربة أشياء جديدة. الابتعاد عن منطقة الراحة الخاصة بك والنظر إلى العالم من زوايا جديدة سيساعدك على رؤية الصورة الكبيرة وفهم كيف أن كل جزء من هذا العالم يتداخل ويتفاعل مع الأجزاء الأخرى.
في النهاية، علينا أن نتذكر أن كل منا يرى العالم من خلال عدسة اهتماماتنا وتجاربنا. لكن إذا أردنا أن نعيش حياة مليئة بالمعرفة والتجارب الغنية، علينا أن نكون مستعدين للابتعاد قليلاً عن تلك العدسة والنظر إلى العالم من زوايا مختلفة. بهذه الطريقة، سنكتشف أن العالم أكبر بكثير مما كنا نظن، وأن هناك الكثير لنتعلمه ونختبره خارج حدود اهتماماتنا الحالية.