تدويناتمواضيع سياسية

الحرب لم تنتهِ، لكنها ارتدت قناعًا آخر!

الحرب لا تنتهي بانتهاء القصف، ولا ينتهي الاحتلال بوقف إطلاق النار. فحين تصمت المدافع، يبدأ فصلٌ آخر أشد فتكًا، لا يُسمع فيه أزيز الطائرات، بل أنين الجوعى، ولا تُرى فيه انفجارات الصواريخ، بل نظرات الأطفال الباحثة عن الدفء وسط الخراب. غزة اليوم لا تواجه الطائرات والقنابل فقط، بل تحارب بردًا ينهش الأجساد، وجوعًا يهدّ الأوصال، وعطشًا يحرق الحلوق.

لقد انتهى القصف – أو هكذا يزعمون – لكن كيف يُقال إن الحرب انتهت وهناك أكثر من مليون ونصف مليون إنسان بلا مأوى؟ كيف يُقال إن غزة خرجت من المعركة، وهي لا تزال في مواجهة موتٍ بطيء، أكثر إيلامًا من الشظايا؟ خيامٌ ممزقةٌ لا تقي من الريح، أجسادٌ أنهكها الحصار، وقلوبٌ تحترق حزنًا على من لا يزالون تحت الركام، بلا أدواتٍ ولا إمكانياتٍ لانتشالهم.

الحرب الثانية بدأت، لكنها بلا قنابل، بلا صواريخ، بلا ضجيج. إنها حرب التجويع، حرب تشريد من بقي حيًّا، حرب تكسير الإرادة ودفع الناس إلى اليأس والاستسلام. لكن غزة، التي صمدت أمام أعتى جيوش الأرض، لن تهزمها خيامٌ مهترئة، ولن تكسرها مؤامرات الحصار. فقد اعتادت غزة أن تعيش وسط الرماد، لكنها لم تقبل يومًا أن تموت فيه.

العدو يراهن على أن غزة ستنهار من الداخل، أن سكانها لن يتحملوا البرد والجوع، وأنهم سيصرخون استسلامًا كما يريد. لكن غزة التي قاتلت تحت القصف، ستقاوم أيضًا تحت الحصار، وستجعل من الركام معاقل صمود، ومن الجوع سلاحًا يُفشل مخططاتهم.

إن كان الاحتلال قد فشل في تحقيق نصرٍ عسكري، فإنه الآن يحاول أن يفرض نصرًا بالحرمان، أن يحوّل غزة إلى مدينة أشباح، لكن هل نسي أن غزة لا تموت؟ هل نسي أن من حوصروا لعقود لم يرفعوا الراية البيضاء؟

إن غزة اليوم لا تحتاج إلى من يرثيها، بل إلى من يقاتل معها في معركة الحياة. إن كنتم قد أنقذتم غزة من الإبادة بالصوت والكلمة، فاليوم معركتكم معها هي البقاء ليس المطلوب معجزات، لكن المطلوب أن لا تتركوها وحدها في حربها الثانية.

ادعموها بما تستطيعون:

🔹 بمالٍ يعينها على إعادة بناء ما دمرته الحرب، ويمنح المشردين غطاءً يصد عنهم برد الشتاء القارس.
🔹 بصوتٍ يصرخ باسمها في كل مكان، حتى لا يطويها النسيان، ولا تُختزل معاناتها في مجرد أرقام وإحصائيات باردة.
🔹 بضغطٍ سياسي وإعلامي يكشف للعالم أن ما يحدث هو جريمة لا تقل بشاعة عن القصف، وأن منع الغذاء والماء والدواء هو قتلٌ متعمد بطريقة أخرى.

غزة لم تعد تقاتل الاحتلال فحسب، بل تقاتل للبقاء حيّة. لا تجعلوها تخوض هذه الحرب وحدها، فالمعركة لم تنتهِ، ولن تنتهي إلا حين تُرفع راية الحق فوق هذه الأرض الطاهرة، وحين ينتصر الصمود على كل أشكال الحصار والطغيان.

اظهر المزيد

صلاح صافي

من جذور هذا البلد، ولدت حرًا، رُبع ناقد شبه كاتب نصف سياسي، كل ما أكتبه من الواقع وأحيانًا من قلم ساخر لا يمتُ للواقع بِصلة..
زر الذهاب إلى الأعلى